I.الاقتصاد الفرعوني
1.الفلاحة
يعتبر النيل، العامل الرئيسى في قيام إحدى أقدم الحضارات الزراعية بمصر لقد كانت الزراعة أساس رخاء البلاد وثروتها ،فقد اهتم المصريون القدماء بمراقبة نهر النيل وارتفاع مياهه عن طريق المقاييس، كما اهتموا أيضاً بحسن استغلال مياه النيل، فحفروا الترع والقنوات، وأقاموا السدود لحجز المياه وادخارها لوقت الحاجة ، وقد قسموا السنة الزراعية إلى ثلاثة فصول زراعية هى:
· فصل الغمر: هو الفصل الذى فيه تغمر مياه الفيضان الأرض الزراعية، ويمتد من منتصف شهر يونيو إلى منتصف شهر أكتوبر
· فصل البذر: هو الفصل الذى يقوم فيه الفلاحون ببذر الحبوب، ويمتد من منتصف شهر أكتوبر إلى منتصف شهر فبراير.
· فصل الحصاد: من منتصف شهر فيفري إلى منتصف شهر جوان
أ- الري
اعتمدت الزراعة في مصر، منذ عصور ما قبل التاريخ، على مياه النيل وغمرها السنوي المستمر للأراضي المصرية؛ بالفيضان الذي أمدها بالمياه والغرين (الطمي). وهكذا، كانت الأراضي تروى سنويا بانتظام عن طريق ما يعرف بنظام "ري الحياض"؛ وهو نظام ينطوي على تقسيم الأراضي إلى حياض الذي هو عبارة عن إقامة حواجز طينية .. وقد تحقق ذلك من خلال حفر مزيد من القنوات والجسورالذي تطلب وجود دولة مركزية تشرف على عملية الري و العملية الزراعية برمتها .
ومنذ استقرار الإدارة المركزية للدولة، واصل قدماء المصريين تسجيل منسوب مياه النيل في سجلات رسمية. وتظهر أقدم السجلات لمناسيب الفيضان على حجر باليرمو(حجر الرشيد )، من الأسرة الخامسة؛ ويحمل 63 سجلا لمناسيب مياه النيل.. وكان لرصد منسوب مياه النيل تأثير على تقدير قيمة الضرائب والمساحات التي يمكن ريها خلال العام. وكانت الأقاليم مسؤولة، عقب الفيضان، عن إدارة و ترميم وصيانة القنوات والترع؛ بينما كانت تجرى عمليات قياس مساحات الأراضي ومناسيب المياه، من قبل الإدارة المركزية .
وقد سمح نظام ري الحياض بزراعة محصول واحد أثناء فصل الشتاء؛ بينما الأراضي المرتفعة البعيدة عن نطاق الفيضان هي فقط التي كان من الممكن زراعتها خلال فصل الصيف. ولذلك، عندما اخترع قدماء المصريين وسائل لرفع المياه؛ مثل الشادوف، أصبح بإمكانهم زراعة محصولين في العام الواحد: مما اعتبر تقدما هائلا في مجال الري. وقد اخترع الشادوف في عصر العمارنة، وهو أداة بسيطة؛ ولا يتطلب في تشغيله لأكثر من شخصين إلى أربعة أشخاص. ويتكون الشادوف من عمود طويل معلق موزون بثقل عند أحد طرفيه ومثبت به دلو عند الطرف الآخر؛ ويمكن له رفع مائة متر مكعب من المياه في اثنتي عشرة ساعة، وهو ما يكفي لري مساحة تزيد قليلا على ثلث فدان.
واخترعت الساقية، في العصر البطلمي، لرفع المياه. والساقية عجلة ضخمة هائلة ثبتت حول محيطها قدور فخارية. وتغطس الساقية في الماء، ثم تدور؛ لترفع من أربعة إلى ستة أمتار مكعبة من الماء: وبإجمالي يصل إلى 285 مترا مكعبا في 12 ساعة.
حفر قدماء المصريين الترع لتوجيه المياه إلى أماكن بعيدة عن ضفاف نهر النيل، واستخدموا الشادوف لرفع المياه من نهر النيل أو الترعة إلى الحقول الأعلى.
والشادوف هو عمود طويل يرتكز على محور مرتفع، ويستخدم لخفض ورفع دلو يمتلئ بالماء؛ من النهر أو الترعة. وقد صور هذا في مشاهد من مقبرة إبي، في دير المدينة.
وكانت المياه تنقل أيضا في جرار (أو زلع) تحمل بواسطة نير يستقر على الكتفين؛ وقد صور هذا أيضا في مشاهد من الحياة اليومية.
وحفر قدماء المصريين ترعة طويلة للري، تعرف ببحر يوسف، لجلب المياه للرى من نهر النيل إلى منخفض الفيوم.
ب المحاصيل الزراعية
- كانت الأرض تزرع مرة واحدة في االسنة ومن أشهر المحاصيل الزراعية في مصر الفرعونية القمح والشعير و الكتان لصناعة النسيج،بالإضافة إلى أنواع من البقول و الخضروات ،و الأشجار المثمرة باختلاف أنواعها كما زرعوا السمسم لاستخراج الزيت.
- استخدم المصريون القدماء أدوات مثل: الفأس والمحراث والمنجل والمذراة في العمليات الزراعية، واستخدموا الشادوف لتوصيل المياه إلى الأرض المرتفعة.
- كانت عمليات الحرث وبذر الحبوب تبدأ في شهر أكتوبر، بعد انحسار مياه الفيضان ، ذلك أنه في شهر سبتمبر يبدأ انحسار المياه عن الأرض، فيقوم الفلاحون بعزقها ثم حرثها، ثم يبذرون الحبوب، ثم يسوقون الأغنام في الحقل، حتى تغرس بأقدامها الحبوب في ثنايا الأرض. يظل الفلاحون يعتنون بزرعهم حتى إذا تم نضجه، يقومون بحصاده.
الوثيقة 6 : الحراثة
- اهتم المصري القديم بتربية الطيور، مثل البط والحمام والإوز، كما اهتم بتربية الحيوانات مثل الأبقار والأغنام والحمير، حيث كان يستخدمها في العمليات الزراعية، كما كان يستفيد من لحومها وجلودها وشعرها و ألبانها . وكانت القطعان، مثل الأراضي، تخص كبار الملاك الذين وظفوا الرعاة للعناية بالدواب . و صور هؤلاء الرعاة على جدران المقابر بأجساد نحيلة،. وتظهرهم المشاهد العامة وهم يحلبون أو يطعمون صغار الحيوانات أو يساعدون في عمليات الولادة أو في إحضار الدواب إلى مالك الضيعة؛ من أجل الحصر.
نموذج خشبى لمخزن قمح عُثر عليه فى أحد المقابر المصرية القديمة. كانت الحبوب تضاف إلى المخزن من خلال الفتحات الموجودة فى السقف، وتفرغ عند الاحتياج إليها من خلال الفتحات المنزلقة فى حائط المخزن.
- كانت جميع الأراضي الزراعية في مصر القديمة ملكاً للملك تقريبا و كان الفلاحون مطالبون بأداء الجزء الأكبر من محصولهم الزراعي إلى جباة الضرائب الذين كانوا يجوبون البلاد طولا وعرضا .وكان الفرعون يقطع الجنود المخلصين والموظفين الممتازين أراض زراعية تكون ملكاً لهم ولورثتهم، لذا لم تنعدم الملكية الخاصة للأراضي الزراعية في مصر الفرعونية.
شارك معظم أفراد المجتمع المصري بوجه أو بآخر في النشاط الزراعي. وكان الفلاحون يعملون، كأجراء، لدى الملاكين الأثرياء لقاء المأكل والملبس والمأوى. أو كانوا يستأجرون الأرض لقاء جزء من المحصول. ولم يتوفر دائما العدد الكافي من العملة لإنجاز أعمال الزراعة والحصاد، لذا كانت تفرض أعمال السخرة على مجموعات عمال الفلاحة الفقراء الخاضعين لكبار الملاك
استخدم المزارعون في مصر القديمة أدوات بالغة البساطة مثل المسحة و المحراث الخشبي ومن بين الأدوات الزراعية أيضا المنجل الذي استخدم منذ العصر الحجري الحديث، وحتى الدولة الحديثة؛ في حصد محصول الغلال. وهو مصنوع من الخشب وبه صفوف أنصال من حجر الصوان ولقد حلت أنصال النحاس، ثم البرونز، محل الصوان؛ في عصر الدولة الوسطى. ولم تدخل الأنصال الحديدية إلا في العصرل الروماني. كما استخدم الفلاحون فؤوسا من الحجر المسنون، و مجارف و و مذاري خشبية و أدوات ذات أسنان، لجمع العشب أو تقليب وتسوية التربة.
2. الصناعة
ارتبط ازدهار الصناعة بما توفر في مصر من مواد أولية متنوعة نسبيا مثل الحجارة الصالحة للبناء و النحت و بعض المعادن مثل النحاس و الذهب و الأحجار الكريمة بالإضافة إلى المواد الأولية النباتية مثل البردي لصناعة الورق أو غيره من المنتوجات الفلاحية وقد ترك لنا المصريون ما يدل على نشاطهم الصناعى في المقابر والمعابد والأهرامات ما يشهد بالعظمة والرقى والدقة والجمال.
فقد استخرج المصريّون المعادن من مناجم سيناء كالنّحاس. وعرفوا البرونز. ولم يستخدموا الحديد إلاّ منذ عصر الأسرة الثامنة عشرة( ). كما استعملوا الذهب وصاغوه بمهارةٍ. وبنوا السّفن من الخشب الجيد المستورد من جبال لبنان. وصبغوا الأواني الفخارية وعرفوا صناعة الزجاج والمنسوجات الرفيعة . وكان اليونانيون يستوردون الأقمشة الكتانية من مصر. وصنعوا الورق من نبات البردى منذ أوائل عصر الدولة القديمة. وظلّت هذه الصناعة تزوّد جميع بلاد الشرق و العالم القديم وذلك بسبب خفّة وزنه وسهولة حمله وصلاحيته للكتابة والحفظ.
مثلت الصناعات الحجرية أقدم الصناعات المصرية، وأول الصناعات التى قام بها الإنسان المصرى القديم، فمن الحجر صنع الأوانى والجرار والأسلحة والتوابيت، كما استخدم الرخام فى صناعة التماثيل و التحف الفنية .
برع المصريون القدامى في صناعة الأواني الفخارية منذ أقدم العصور، فقد استعمل الصلصال الجيد،الذي يحرق ، ثم يُزخرف بالرسوم والنقوش والصور الجميلة.كما دبغوا الجلود و صبغوها وصنعوا منها النعال والسيور الجلدية وأغطية الكراسى، وعلب المرايا، كما استخدم جلد الماعز فى نقل الماء وحفظ السوائل، واستخدمت الجلود البيضاء فى الكتابة إلى جانب البردى.
كانت صناعة التعدين محتكرة من قبل الدولة لما لها من أهمية إستراتجية في صناعة الأسلحة وقد استعملت المعادن الثمينة مثل الذهب و الفضة في صناعة الحلي و النحاس و البرونز و في صناعة أدوات الزينة و التماثيل الصغيرة، و تؤكد الآثار التي وجدت في مقبرة توت عنخ آمون ما توفر للصناع المصريين من ذوق فنى، وبراعة فائقة.
لقد تم العثور على خرزات نحاسية مستديرة غير منقوشة، وكذلك الدبابيس النحاسية البسيطة، يرجع تاريخها إلى 4000 سنة قبل الميلاد. وصنعت الأواني والأدوات والأسلحة النحاسية في عصر الدولة القديمة، كما عثر على خرزات من الذهب يرجع تاريخها لنفس الفترة. وقد أصبح البرونز أكثر المعادن التي تصنع منها المعدات والأسلحة وأدوات الاستخدام اليومي؛ في عصر الدولة الحديثة. فاستخدم في صناعة الحلي والفؤوس ورءوس الحراب وخطاطيف صيد الأسماك والأواني والأمواس والخناجر والمرايا. وبنهاية عصر الدولة الحديثة، بدأ صب البرونز؛ بدلا من طرقه: مما سمح بالإنتاج على نطاق أوسع . فلقد صبت التماثيل الصغيرة بأعداد كبيرة، وقدمت للمعابد كنذور. واحتفظ البرونز بأهميته ، كأكثر المعادن استخداما، حتي العصر البطلمي.
- استورد المصريون خشب الأرز من "فينيقيا" (لبنان)، ومنه صنعوا السفن والتوابيت والأسرّة والمقاعد، واستوردوا خشب الأبنوس من بلاد النوبة وبلاد "بونت" (الصومال)، ومنه صنعوا أثاث القصور الملكية وبيوت الأمراء.
الصناعات المعدنية
حلى فرعونى من القرن الـ 20 أو الـ 19 ق.م، عبارة عن زنار وسوار بهما خرز مصنوع من الذهب والأحجار الملونة كالفيروز.